يؤرخ عماد الدين الكاتب في هذا الكتاب الضخم طائفة من شعراء القرن الخامس ومعظم شعراء القرن السادس الذين عاشوا في المملكة الإسلامية العظمى من أواسط بلاد المشرق إلى أقصى الأندلس، فيلّم بتراجمهم، ويعرض نماذج من أشعارهم، ويورد في أثناء ذلك فوائد وفرائد تاريخية نفيسة يعز وجودها في غير هذا الكتاب.

وكان هدف العماد الأصفهاني من تأليف «خريدة القصر وجريدة العصر» الاعتراف بما لعصره من فضل، وإن ران عليه الضعف، وكسد سعر الأدب فيه.

وكان في عمله هذا مقتفيًا لآثار أبي منصور الثعالبي في كتابه «يتيمة الدهر»، وأبي الحسن الباخرزي في كتابه «دمية القصر وعصرة أهل العصر»، دون أن يجد من اقتفى أثرهما ونسج على منوالهما.

وكان الدافع الأصلي لتأليف هذا الكتاب ذا صلة وثيقة بأسرته؛ إذ كان عمه أبو نصر الأصفهاني ممدوح شعراء كثيرين، فأراد العماد أن يجازيَهم على مدحهم هذا العلم بتخليد ذكرهم كما خلدوا ذكره في شعرهم، ولكن هذا الدافع الشخصي تجاوز به تلك الحدود الضيقة؛ إذ طال به نفس الكلام، وامتد به الجهد حتى شمل شعراء المائتين الخامسة والسادسة من شرقي بغداد إلى غربي قرطبة.

وقد أمكن للعماد الأصفهاني أن يحفظ بهذا المجهود الكبير، الكثير من النصوص الأدبية التي لولا جمعها في «الخريدة» لضاعت واندثرت، كما ضاعت واندثرت الأصول التي نقل عنها تلك المنتخبات.

ويختلف أسلوب العماد الأصفهاني في الترجمة لأدباء المغرب اختلافًا كبيرًا؛ نتيجة لما توفر لديه من مصادر، فبينما نجده يطيل في مختارات أبي الصلت أو تميم الصنهاجي؛ لأنه ينتقي مباشرة من ديوانيهما، فإننا نجده في الأعم الأغلب يوجز شديد الإيجاز مما لا يمكن أن يعطي صورة واضحة عن طريقة الشاعر المترجم له أو عن أسلوبه الشعري، ومن ثَمَّ عن إمكانية استنتاج أو استخراج بعض العناصر الخاصة أو المتعلقة بهذا الشاعر أو ذاك، وعذره في هذا فقدانه للمصادر التي يمكن أن ينقل عنها أو الأشخاص الذين يمكن أن يروي عنهم.